منتديات تدلـل1 - أدم طرق الباب يُفتح لك

أدم طرق الباب يفتح لك,هذه هي الحكمة التي اختلطت بأنفاس جدي الأخيرة,وهي كل ما تركه جدي من إرث لأبي,ولأننا مجتمع تقليدي فقد كان طبيعيا أن يقوم أبي بتوريثي هذه الحكمة,وهذه الحكمة هي كل ما وجدته في أرصدة أبي بعد أن فارق الحياة.

وبعد أن بلغت الثلاثين من عمري قررت أن أزور قبر أبي ,فقرأت له الفاتحة وناجيته ببعض ما اعتمل في صدري و قلت له:

أنا يا أبي شاب عربي, دخلت المدرسة خوفا من العصى و اجتهدت في دروسي خوفا منها و تخرجت من مدرستي رغبة في التخلص منها,ولقد كانت ولا زالت هذه العصى تدير كثيرا من شؤوني,وحين طرقت الباب لكي أقنع الآخرين بأن هناك ثمة لغة أخرى ابلغ من العصى و أشد تأثيرا,وهي لغة الإثراء و التعزيز و التحفيز ,أخفقت يا أبي

أنا با أبي شاب عربي سقطت ضحية منهج تربوي أهلني في أحسن أحواله لكي أصنع طائرة ورقية و حين قررت صنع طائرة حقيقية طرقت الباب مرارا,لكي يمنحني فرصة واحدة,ولكن ذلك المنهج شكك مسبقا في قدرتي و لم يتركني أحظى حتى بشرف المحاولة,فأخفقت يا ابي.

وهذا يا أبي هو ذات المنهج التربوي الذي حقنني في صغري بفكرة الحرب ,وحدد لي ملامح علاقتي المشوشة مع الآخر, وهو الذي أقنعني بأن صراعنا مع الآخر صراع وجود,ثم ساق لي من الأدلة العقلية و الشرعية ما يشاء و أبرز لي من نصوص القرآن ما يشتهي ثم أخفى عني ما يشاء و يشتهي,فأخبرني بقوله تعالي(ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم)و أخفى عني قوله تعالى(ان الذين هادوا الصابئين و النصارى من آمن بالله و اليوم الأخر وعمل صالحا فلهم اجرهم عندهم ربهم ولا خوف عليهم ولاهم يحزنون) ثم أخبرني بقوله تعالي(قاتلوهم حتى لا تكون فتنة و يكون الدين لله)و أخفى عني قوله نعالي(لا إكراه في الدين )وحين كبرت تفاجئت بأن هذا المنهج التربوي قد غير من قناعاته و تبنى مشروع السلام مع الآخر,ثم طالبني بتبنيه رغم أنفي و تجاهل كل اللذي غذاني به بالأمس وعاد ليمارس نفس الاستراتيجية فبدأ يبرز لي من النصوص و الادلة ما يشتهي و يخفي عني ما يشتهي,فجعلني في فصام دائم مع نفسي,ولو أنه منذ البداية نظم علاقتي مع الآخر دون افراط أو تفريط ودون أن يميل كل الميل لتمكن من إخراج جيل متوازن يدرك المصالح و يحسن التصرف مع المتغيرات التي تطرأ على علاقته مع الآخر ولو أنه كان منهجا متوازنا لأمكنني أن أدير علاقتي مع الآخر بشكل لا يضفي علي صبغة التطرف,ولو أنه كان منهجا مرنا لساعدني على الإنتقال من حالة الحرب الى حالة السلم بسلاسة و سهولة دون أن أشعر أني انسلخ عن ذاتي أو أشعر انني أفرط في حقوقي,ولو كان هذا المنهج واعيا بالقدر الكافي منذ البداية بحيث ترك لي المجال لأن أتقبل الآخر لما عانى في ما بعد من تعنت الكثيرين في تقبل الآخر و الرضى بفكرة التعايش معه,ولكم طرقت الباب يا أبي مطالبا بإعادة النظر بمناهجنا واعادة صياغتها بحيث تكون اساسا لجيل أوسع أفقا و أبعد نظرا و أكثر رغبة في البحث و التنقيب و ابداع كل ما هو جديد ,وأكثر تأهيلا للمشاركة الفاعلة و المنتجة في الحياة بشتى أشكالها.