أنثى يهز خصرها نسيم الأصائل*

حين تعبرين, لا أنظر, و لا أقف بل أصطف كشيج أمام تحيه لسلام


أنتِ تأريخ الشط يا أعظم من تمتمت اللاهوت و أعمق من حزن القرية, يا أكثر من وعث الكلام و زبد الأحاديث الخاوية. سلام على شفتيك المقوّسة كشيب الظهور .. المحدقة ككثب في الصحراء, الأرتع من مأوى من زلزال. سلام على أنفك الأشهب من قصائد معلّقة .. المنسل من غمد محارب, الأحدّ من صوبك في القلوب, الأرقى من ثوب إيطالي. سلام على عينيك, تمد الينبوع بكوثر, تسقي النهر من بلل زمّل, سلام على عينيك التي و في نعاسها تبدو أوثق من نظرات القادة و هم يطلقون الصرخة الأخيرة لتنفيذ الأحكام.


بعد كلام العيون و رحلات الغياب:
هكذا هم متمرسون, يصنعون نهايات سريعة للفراق و يختلقون الأعذار الأوهن من ضعفي بين يديكِ حديثي إليك مدخنة كلام ينبعث من أعتق شرخ في رئتيّ, صوتي حديث وارد و رسالة غائب أتت بعد مامات الحنين. مجروح بفجاجة كجراح الفرسان و سخيّة أنتِ في تلقين صدري دروس الرماح. أنتِ كالعبر .. كالتلال .. كالتمتمة الأخيرة في صوت النداء باقية, باقية في الصور و الجدران المعتقة, باقية كالموعظة .. يعلو وهجها وجوه المصليين. عودي على مهلٍِ قبل أن يسبق الليل ما رتبت من اشياء لا تصلح في حضور الصباح ... ورقة و أقلام و فرجار لحساب المسافات و نقاط متفرعة كتقاسيم العالم من على خريطة. في قحط الإنتظار تأتي دموعك النبيلة تفاصيل ترسم حنطة الصبر, تتخللها كالبريق, و عيني مدينة على مد الغياب.
ها أنتِ كالسفح يطل, يلوّح و يهاجر و ينكفئ, و أخوض مع أثر وطأتهِ على الأرض حرب ضروس, أندب الحظوظ و أجهل أن الغياب لا يعنى بترهات من شوق الحديث. أصافح رحلتك بمداد صخب .. و أرتب فوضى الحنين التي لم تجد بعد دولاب يهذب شكلها في العيون. أفكار العتمة تأتي لي بمعطفك .. بشبق جديلتك و نأي ملمسك الأقدر من عصا حين يغور جوفي و الأرق من الندى حين يمسح بلطف سحنتي الغابرة, يأتي بفستانك النيلي حين ينسدل من بهو اللقاء و يستر قرية لقائاتنا في سر يغيب إلا عن الله.

صابرين .. حزنك مهد الأفراح لهذا العالم : ما شأنك و العالم مازال يرمي بعضه بالكلام ؟ أنتِ أرق من شجب الأصوات و عويل الأدعياء و أكمل من سنة في وطني لا يعبرها إلا فصلين, تعالي نسلّم على أرض ميعادنا التي حددناها أيام الصبا, و أن لم نصل نلقي بعاتق أغراض الحزن عليها و نعود, نسأل عن أبناء لنا لم يعاشرونا بعد .. ولدتيهم قبل أن يأذن الواقع. أنا مولع بهذه الدنيا يا صابرين, كانت مولعة في عينيك و في حدود تسربل شعرك حين يطول الأرض, حين تصافح عيني تجاه المدى نحوك و كأنه صديق, كفكفي حزنك بمنديل شوقي و عودي, سأرتب في عودتك التي لا تجيء لقاء لبق يسمو لشموخ أنفك و قامتك الفاتنة, غرفة وسيعة تسع هذا المداد الصخب لتدلي ضفائرك .. لمضض الضوء من فتنتك و لغيرة الثريا من بلوريّة عينيك.

أشعر أني وجه حزن أوسع من شدق الأرض,
و أوهن من ثمرة لم تسقط في موسم حصاد.
أشعر أني أقصر عن حبل الله,
و بلاد لم تطوق بلوائح دليل.

أنا أقرب لك من حكاية جدتك المعلّقة كقرط في أذنيك, و أبعد عنك كقصائد منسيّة و أوراق بعثتها الرياح
لزمّامة الطرق فتغدو أوراق تبغ وضيعة, تماماًَ كالكلام بداخلها. أنا النهاية على أسوار الحزن و البعثرة التي تلحقها
عيون المارة كل تحيّة, أنا مسلوب إليك كمدونّة و قلم و كلام ذابل, مسلوب إلى حفيف سعيك كالنخيل يسلم و يهجرني لعام.