بين الميلاد والموت

بين الميلاد والموت

يولد الإنسان ضعيفاً، ويموت ضعيفاً، وتستقبلنا الحياة في شبابنا بكل حفاوة وترحاب، وتغادرنا الحيويَّة ويصيبنا الوهن في الكبر. وما بين الميلاد والموت نعاني، فنقلق ونخاف، نكابد ونجاهد، نسعد ونحزن، ننجح ونفشل، نُحِب ونُحَب، نُظلم ونَظلم، ويظل العمر هو الشيء الوحيد الذي كلما زاد نقص ويا لها من حياة وما أغربها من دنيا. الآن فقط اكتشفت كم هو العمر قصير مضت لياليه كلمح البصر، وكنت في شبابي أشعر بأنَّ الحياة طويلة وثقيلة، كيف تتابع الزمن بسرعة البرق ولم أنتبه كيف جرى عمري. أتذكر نفسي وكأني بالأمس مازلت في العشرين، وأكرر نظراتي في المرآة لقد ارتسمت خطوط رفيعة على وجهي، وبدأت شعرات بيضاء تغزو رأسي. إنَّ داوم الحال من المحال وعليَّ التكيف والاندماج وتقبل الواقع بما وصلت إليه من عمر.. لا أعتبره خط النهاية، بل بداية لمرحلة جديدة إنَّها مرحلة ككل المراحل هدأت فيها نفسي وسكنت فيها عواطفي وتغيرت فيها نظرتي لأغلب الأمور، وأحمد الله أن ذاكرتي بخير وقلبي ينبض ومازلت أحسُّ بطاقة وقوة الشباب، ومازلت قادرة على العطاء والإبداع. أحياناً أشعر بأني طفلة أتلهف بحنين لصدر أمي، ومرات كثيرة أحتاج لأبنائي لأشعر معهم بالأمن والاستقرار، فأسعد عندما يستشيرونني أو عندما أشعر بمدى احتياجهم لي. فما أروع أن أكون بين من أحبهم فهم بالنسبة لي الحياة، فالحياة جميلة في أي مرحلة، وأني أرفع هذا الشعار. فالعمر الحقيقي ما أشعر به وليس ما هو مدَّون في شهادة ميلادي، وكلما زاد عمري تقربت إلى الله، وفكرت أكثر في لقائي مع ربي فاستغفره وأتوب إليه. الآن فهمت المغزى الحقيقي لوجودي في الحياة، هو عبادة الله وليس المقصود بالعبادة الصلاة والصوم فقط، إنما في الحقيقة هو منهج حياة في صدق التوجه إلى الله، وإخلاص النية له، وحسن التوكل عليه، وشدة الفقر إليه، وحب العمل له، وخوف البعد عنه، وقوة الرجاء فيه، وأن أعيش كيفما أراد الله أن أعيش، وأن أحبَّ في الله، وأبغض في الله، وأحمد الله على أنَّه بلغني أن أحيا حالة إيمانيَّة جعلتني أعرف قيمة الدنيا فهي لا تساوي جناح بعوضة، اللهم إني أشهدك أني أشتاق إليك فلا تحرمني من لذة القرب منك في الدنيا، ولا لذة النظر إلى وجهك الكريم في الآخرة.
أنين الحياة
لماذا لا نريد أن نرى جمال ما في أيدينا ولا نريد أن نستمتع به ونقضي عمرنا نتحسر على ما فات.. في الثلاثينيات نتحسر على العشرينيات، وفي الأربعينيات نتحسر على الثلاثينيات، وهكذا حتى يضيع العمر كله حسرة. لماذا لا نتعلم أنَّ لكل مرحلة جمالها، وأنَّه إن كانت مرحلة مضت بحلوها ومرَّها فمرحلة أخرى ستأتي أيضاً بحلوها ومرِّها. تعال فلنتوقف عن الحسرة ونستمتع باليوم بدلاً من أن ننتظر الغد؛ لنعرف قيمته فيكون قد مضى ومضت قيمته.