صمت امرأة تعشق الرجل
توقفت عن القراءة وأغلقت كتابي الذي رافقني طيلة هذا الشهر.. وددت لحظتها أنه كان بإمكاني إغلاق كتاب الذكريات الذي رافقني طيلة تسعة عشر عاما من حياتي .. استندت إلى الصوفا ومددت ساقي على الطاولة أمامي .. فاندلق كوب القهوة الإيطالية على الطاولة !.. ياإلهي .. فقط أردت أن أستريح .. مر علي أسبوع شاق لم أذق فيه طعم النوم سوى للحظات خاطفة كانت شبه كافية لأرى بعض الكوابيس وأفزع فأنظر إلى الساعة .. وإذ لم يمضِ سوى عشر دقائق! دراسة متعبة هذه التي تسمى الكيمياء.. حتى أن أختي حوراء مازالت في العقد الثاني من عمرها وهي ترتدي نظارات وتسير كالعجوز محنية الظهر .. سارحة وكأنها تحمل في دماغها ذاكرة جمل .. لربما هي قلقة بشأن زوجها عبد الله .. فعائلته تنتظرمنهما طفلاً .. وهي لم تحبل حتى الآن وقد مضى على زواجهما خمس سنوات!! وبالرغم من أن هذه السنوات تبدو قصيرة لدى أختي , إلا أنها تشبه الدهر في عيني أم عبدالله .. إنها تضايق اختي في الإلحاح عليها بالإنجاب .. وبما أنها مازالت تدرس الكيمياء .. فهي تخشى الحبل والتورط في أمراض تسببها المواد الكيمياوية التي تستخدمها في دراستها .. بصراحة , لا أعتقد أن حدسي كان مخطئا عندما أخبرت حوراء أن عبدالله لا يناسبها !! عائلته وعقليتهم المتحجرة تكاد تخنقها الآن , ارى أنها تتحمل الكثير من أجله .. والدته تفرض عليها الصحو مبكراً .. وإعداد الغداء لجميع أفراد أسرته المكونه من أربعة عشر شخصاً .. ومع ذلك فهي تتفوق في دراستها الجامعية وتؤدي واجباتها تجاه زوجها وعائلته !! .. أخجل من القول أنهم يعاملونها كخادمة وكزوجة من القرن التاسع عشر .. تعيش في غرفة واحدة مع زوجها وتقضي اليم بطوله مع عائلته .. ويرفض عبدالله أن يستأجر لهما شقة بالرغم من أن مادياته تسمح باستئجار بيت! .. تحسن صنعا حوراء عندما تعزف عن الإنجاب منه .. ولكن إذا كان هذا ماتريده فلمَ تبدو مهمومة مقطبة الحاجبين تسير وعينيها في الأرض مطأطئة الرأس ! .. ازداد صمتها في الآونة الأخيرة حتى بدت كالخرساء الشاردة من حوض الحياة .. كوابيسي عندما اغفو كلها تتعلق بها , تارة أراها تغرق في بحر أسود وتصرخ ولا صوت لها .. وتارة أراها تبتلع موادا كيماوية وتحترق ! .. القهوة ومشروبات الدايت أصبحت فطورها وعشاءها .. أكلها يقتصر على بعض البسكويتات الخفيفة .. نحلت حتى أن جمالها بدأ يتلاشى .. ولا أستبعد أن أم عبدالله تعد ابنها لزيجة أخرى .. فهي لاتكف عن التذمر والتشكي بشأن أختي .. لا يرضيها شيء وكأن حوراء هي التي خطبت عبدالله وطلبته للزواج
تعبت وأنا أرى التاريخ يعيد نفسه .. والقصة تتكرر .. فتاة جميلة متفوقة دراسياً .. ترتبط ارتباطاً تقليديا بمن لا يناسبها علما او اجتماعا .. وينتهي الأمر بزيجة أخرى وانفصال مفاجيء دون سابق إنذار .. وتعاسة تستمر لعدة أسباب !! يبدو أن الارتباط في سن مبكرة يعادل انتحارا لموهبة المرأة ودفنا لقواها وطاقاتها .. والدتي .. الدكتورة سحرحسن الأمير .. دكتوراة في التنويم الإيحائي وأخصائية في علم النفس التحليلي !! تزوجت وهي في السابعة عشرة من ابن عمها الذي كان هو الآخر في العشرين من عمره .. عاش في بيت اهله مدللا حتى استلم إحدى الوظائف المغرية في مكتب والده وسرعان ماقرر الزواج فارتبط بها.. قضت معة اتعس سنوات حياتها حيث أنها تأخرت في الانجاب بسبب تكيس في المبايض .. انهت دراستها الثانوية وعانت كثيرا لتقنعه بالتحاقها بالجامعة .. بعد العام السادس من زواجهما, انتهى الزواج وأصبحت مطلقة في الثالثة والعشرين ! كان يحتج باهتمامها بدراستها وإهمالها لزوجها وبيتها .. ولكن السبب الأساسي أنه أرادها الا تتفوق عليه .. وكان مصرا أن يراها تشبه والدته .. رغم انها لم تقصر في الطهو له والاهتمم بشؤونه او حتى بمظهرها .. ولم يكن ينشأ بينهما شجار بسبب ذلك .. كل شجاراتهما كانت بسبب الدراسة .. لاحقا بعد الطلاق باربعة أشهر .. وكأنه أنهى عدته!! تزوج بأخرى .. وترك والدتي لتندم على سؤ اختيارها له ....
*-- ka3ie)
|