علي بن عبدالعزيز الراج�*ي


ال�*مد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا م�*مد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم إن من المعلوم عند كل مسلم أن لله تعالى أن يقسم بما شاء من مخلوقاته ، وأنه لا يقسم إلا بعظيم ، وكلما تكرر القسم بشيء دل على أهميته ، ولو تدبرنا قوله تعالى (والفجر) آية 1 من سورة الفجر . ، وقوله عز وجل ( والليل إذا يغشى 1* والنهار إذا تجلى2 )آية 1 ، 2 ، من سورة الليل وقوله سب�*انه ( والض�*ى 1* والليل إذا سجى ) ، من سورة الض�*ى .، لوجدنا أنها أجزاء الوقت . ثم تدبر أيضاً قوله تعالى : ( والعصر ) آية 1 من سورة العصر ،تدرك أنه أقسم بالزمان كله ، وما هذا إلا لأهميته ، وهذه الأهمية مصدرها أن الوقت هو الزمن الذي تقع فيه الأعمال ، وهذه الأعمال ( خيرها وشرها ) هي التي يقدمها البشر لينالوا بها جزاء الخالق .
إذا عرفنا تبين لنا أهمية الوقت ، فهو في ال�*قيقة �*ياتنا على هذه الأرض لكي نقدم فيها ما يوصلنا إلى الغاية التي لأجلها خلقنا ، فالوقت هو ال�*ياة .
و الوقت نعمة وأمانة يضيعها كثير من الناس ، يضيعونها على أنفسهم ، وعلى أمتهم ، قال صلى الله عليه وسلم ( نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس : الص�*ة والفراغ) . رواه البخاري، كتاب الرقاق، باب ما جاء في الرقاق 11/229 ، �* (6412) وللوقت خاصية ، وهي إنه إذا ذهب لم يرجع ، وهذا يدفعنا لاستغلال كل ل�*ظة منه ، كان ابن عمر رضي الله عنهما يقول : ( إذا أمسيت فلا تنتظر الصبا�* ، وإذا أصب�*ت فلا تنتظر المساء ، وخذ من ص�*تك لمرضك ومن �*ياتك لموتك ).رواه البخاري موقوفاً في الرقاق 2 باب قول النبي صلى الله عليه وسلم ( كن في الدنيا كأنك غريب ) رقم (6416) من مظاهر الفراغ :
إن من تراه يجول في الشوارع الساعات الطوال بلا هدف ، مضيع لوقته ، ومن تراه يجلس الساعات الطوال يرغب ما لا يعود عليه في دينه ولا في دنياه ، مضيع لوقته ، وكل من اشتغل بما لا يرضي الله فقد ضيع وقته .

الت�*سر على فوات الأوقات :
إذا تنبه العاقل ، وتذكر ما مضى من أيام عمره ، فإنه يندم على الساعات التي قضاها في اللهو والبطالة ، وأشد ساعات الندم �*ين يقبل المرء بص�*يفة عمله ، فيرى فيها الخزي والعار ، قال تعالى : ( يومئذ يتذكر الإنسان وإنا له الذكرى 23، يقول يا ليتني قدمت ل�*ياتي 24).الآيتان 23 ، 24 من سورة الفجر . وقال تعالى : ( أن تقول نفس يا �*سرتي ما قطرت في جنب الله وإن كنت لمن الساخرين ).آية 56 من سورة الزمر .
فالعاقل من ندم اليوم �*يث ينفعه الندم ، واستقبل ل�*ظات عمره ، فعمرها قبل أن يأتي اليوم الذي لا ينفع فيه الندم .

من أسباب تضييع الوقت :
1ـ عدم وضو�* الغاية :
إن عدم وضو�* الغاية ، أو عدم وجودها ، أو عدم التفكير فيها ، أو عدم الانشغال بها والسعي لأجلها هو أعظم سبب لضياع الأوقات .
فمن �*دد هدفاً يسعى إليه ـ أياً كان الهدف ـ فإنه لن يضيع وقته ، فالطالب الذي يريد التفوق لا يكثر اللهو ، ومن يريد الزواج يسعى لت�*صيله بأسبابه ، ومن يريد أن يكون تاجراً يسعى لت�*صيل ذلك ، وهكذا ف�*ري بمن غايته الوصول إلى الجنة ونعميها أن يسعى جاداً لت�*صيلها ، قال تعالى : (سابقوا إلى مغفرة من ربكم وجنةٍ عرضها كعرض السماء والأرض ).آية 21 من سورة ال�*ديد .
وفي ال�*ديث ( من خاف أدلج ، ومن أدلج بلغ المنزل ، ألا إن سلعة الله عالية ، ألا إن سلعة الله الجنة ).رواه الترمذي ، كتاب صفة القيامة ، باب (18) �* (2450) وقال �*ديث �*سن غريب ، ورواه ال�*اكم 4/307،308 ، وقال ص�*ي�* الإسناد ولم يخرجاه .
وكل هدف نبيل يسعى المؤمن لت�*صيله فيه إصلا�* دينه ، أو دنياه ، أو أمته ، إذا أخلص فيه النية ووافق فيه الطريقة الشرعية فإنه طريق لت�*صيل تلك الغاية .
2ـ مرافقة الزملاء غير الجادين الذي يضيعون الأوقات سدى ، ولا يستفيدون من عمرهم وشبابهم .
3ـ الفراغ ، وعدم معرفة ما ينبغي أن يشغل به وقت .
4ـ كثرة الملهيات والمغريات فإذا انشغل بها المؤمن ضاع وقته وخسر عمره .
5ـ قلة الأعوان ـ من الأهل والأص�*اب ـ على استغلال الوقت .

استغلال الوقت :
ينبغي العناية بالوقت وملئه بالعمل �*تى لا يوجد فراغ ، فالفراغ داعٍ إلى الفساد ، والنفس إن لم تشغلها بالطاعة شغلتك بالمعصية .
إن الشباب والفراغ والجده مفسدة للمرء أي مفسدة
إن وضو�* الهدف ، ومعرفة أهمية الوقت ، سبب لاستغلاله ، فعليك بترتيب وقتك وتنظيمه واستغلاله بأن تجعل لك جدولاً يومياً وأسبوعياً وخلال الإجازات لكي تستغل وقتك على الوجه المطلوب .
وصور استغلال الوقت أكثر من أن ت�*ضر ، ومنها الم�*افظة على الصلوات في الجماعة ، والتبكير إلى المسجد وذكر الله ، وقراءة القرآن وخدمة الوالدين ، وصلة الأر�*ام ، والزيارات النافعة ، وعيادة المرضى ، والتعلّم والتعليم ، والدعوة إلى الخير ، والتفكر في خلق الله ، والتفكير في مصال�* نفسك ومصال�* وطنك وأمتك ، والعمل النافع المنتج ، وكتابة الب�*وث ، و�*ضور �*لق العلم والقرآن ، والاستماع لكل نافع ومفيد ، ومساعدة الم�*تاجين و، وغير ذلك كثير ، بل إن انشغالك بالمبا�* ، ولو كان نوماً أو اضطجاعاً بنية تروي�* النفس لتستعيد نشاطها وتقوى على الطاعة ـ من استغلال الوقت .
قال معاذ رضي الله عنه : أما أنا فأنام وأقوم ، فأ�*تسب نومتي كما أ�*تسب قومتي . رواه البخاري ، كتاب المغازي ، باب بعث أبي موسى ومعاذ إلى اليمن 8/60 (�*4341 ، 4342 ،4344،4345) ومسلم كتاب الإمارة ، باب النهي عن طلب الإمارة وال�*رص عليها 3/1456 برقم (1733) .
قال ال�*افظ ابن �*جر ر�*مه الله تعالى : معناه أن يطلب الثواب في الرا�*ة ، كما يطلبه في التعب ، لأن الرا�*ة إذا قصد بها الإعانة على العبادة �*صل بها الثواب .أهـ.فت�* الباري 8/62 بتصرف يسير .
والمراد بقومته هنا : قيامه الليل وصلاته .

من صور ال�*رص على الاستفادة من الوقت :
1- قال عبد الر�*من بن �*اتم الرازي عن �*اله مع أبيه ( أبو �*اتم م�*مد بن إدريس الرازي ) : ربما كان يأكل فأقرأ عليه ، ويمشي وأقرأ عليه ، ويدخل الخلاء وأقرأ عليه ، ويدخل البيت لطلب شيء وأقرأ عليه سير أعلام النبلاء 13/251..
2- قال عبد الر�*من بن أبي �*اتم : كنا بمصر سبعة أشهر ، لم نأكل فيها مرقة ، كل نهارنا مقسم لمجالس الشيوخ ، وبالليل النسخ والمقابلة ، قال : فأتينا يوماً أنا ورفيق لي شيخاً ، فقالوا : هو عليل ، فرأينا في طريقنا سمكاً أعجبنا ، فاشتريناه ، فلما صرنا إلى البيت �*ضر وقت مجلس ، فلم يمكنا إصلا�*ه ومضينا إلى المجلس ، فلم نزل �*تى أتى عليه ثلاثة أيام وكان أن يتغير ، فأكلناه نيئاً ، لم يكن لنا فراغ أن نعطيه من يشويه ، ثم قال : لا يستطاع العلم برا�*ة الجسد . سير أعلام النبلاء 13/266.

ومسك الختام الله أسال للجميع العلم النافع والعمل الصال�*