بسيط *ياتك ~
من جميل ما قرأت أخيراً كتاب (بسط *ياتك) للمؤلف (فرنرتيكي كوستنمخر) ،
وهو كتاب عجيب يصل إلى أعماق النفس بقوة، وملخص رسالته أن عليك أن تتخلص من ال*يا
ة المعقدة وتبدأ *ياتك السهلة البسيطة بلا كلفة ولا مشقة وأقربها جيبك فتبدأ بتنظيفه من
الأوراق الزائدة والفواتير التالفة، ثم تأتي إلى مكتبك فتقوم بعملية ترتيب وتنظيم من جديد
فتتخلّص من الأجهزة المعدومة والصكوك القديمة والعقود المنتهية والملفات الم*فوظة من
عهد عادٍ وثمود.
وتعود إلى بيتك فتتخلّص من الأثاث القديم المركون ت*ت الدرج وجنبات الأسياب وتعطيه الفقراء
الذين يفترشون الغبراء ويلت*فون السماء وتخفف من الأثاث الفخم الذي أشغلت به نفسك
وأهلك وضيوفك وتضع كل شيء في م*لّه وتخفف من الت*ف والصور والبراويز والمزهريات
والهدايا والخرائط وشجر الأنساب الذي يل*قك ب*مير ومضر ال*مراء ومعد بن عدنان.
ثم تعود إلى معدتك فت*اول أن ت*جمّها ما استطعت ولا تهدد بها عباد الله عند السلام والعناق
والضم والا*تضان بقلّة الأكل وترتيب الوجبات وتناول الفواكه والخضروات،
ثم تمر على طريقكبجسمك المرهّل فتشدّه بالرياضة والمشي؛ لتعيش ال*ياة في أبهى
صورها.
ثم تنظّم علاقاتك الاجتماعية فلا تفت* ديوان الصداقة على مصراعيه وكلما لقيت شخصاً ولو كان
ثقيلاً بارداً سامجاً مهبولاً مخبولاً اتخذته صديقاً وطلبت التواصل به لتضيف ل*ياتك هماً إلى هم وغماً إلى غم؛ فمن أكثر من الأصدقاء فقد أكثر من الغرماء، ثم تنتهي من الفوضى الاجتماعية
التي نعيشها ن*ن العرب .
إن فكرة كتاب (بسط *ياتك) هي *لٌ لمشكلاتنا الاجتماعية ويا له من كاتب بسّط لك ال*ياة
وعرض لك الفكرة في أعذب أسلوب وأجمل طريقة وكنت قبل مدة كتبتُ كتاب (خارطة الطريق)
وجئتُ ببعض هذه الأفكار وظننت أنني اكتشفت النظرية النسبيّة وإذا بالرجل يأتي بهذه الأفكار
ويضرب الأمثلة ويذكر الشخصيات اللامعة المرموقة في التاريخ التي عاشت ال*ياة ببساطة.
وأقول لك: كلما ترفّه الجسم تعقّدت الرو*، *تى إن الكاتب يدخل معك في دولاب ملابسك
ويقول: ما الداعي لتجميع عشرات البدلات والفنايل والقبّعات والأ*ذية؟ ولماذا تجمع لباس
الصيف والشتاء والخريف والربيع مرةً وا*دة وصا*ب الثوب أسعد بال*ياة من صا*ب الثوبين؟
ون*ن نظن أننا إذا أكثرنا من الملابس والكنبات والأ*ذية والغتر والت*ف أننا سوف نسعد أنفسنا
ونبهج خواطرنا، والص*ي* أننا نعقّد *ياتنا وندخل الهم والغم على أروا*نا وقد اكتشف الصديق العزيز أبو الطيب المتنبي هذه النظرية فقال:
ذكر الفتى عمره الثاني و*اجته ما قاته وفضول العيش أشغالُ
والشاهد: (وفضول العيش أشغالُ) فكل زائد على *اجتك همٌ وغمٌ ونكد.
وقبل عشر سنوات رأيت الرئيس الأمريكي السابق بوش الأب العجوز الم*نّك وقد سافر إلى
جزيرة بشرق آسيا ومعه *قيبة ملابسه ي*ملها على كتفه يقول المعلّق: هذا كل ما لديه
في هذا السفر، وهذا دليل على أن هذا الداهية الدهياء الذي *كم الولايات المت*دة الأمريكية
قد اكتشف ال*ياة وعرف كيف يعيش.
لكن المصيبة عند الذين لم يكتشفوا ال*ياة المادية والمدنية والرقي ال*ضاري الدنيوي ثم دخلوا
في هذا العالم فجأة فصاروا كما قال أ*د الفلاسفة: (عنـز بدو طا*ت في مريس) مشكلتنا أننا
دخلنا في التمدّن فجأة ودخلنا في الت*ضر بغتة كالجائع المهبول الذي أشرف على الموت ثم أُدخل على مأدبة فيها كل ما لذّ وطاب فأخذ يأكل باليمين والشمال.
ن*ن ب*اجة ماسة إلى ترميم *ياتنا من جديد كما اكتشف صا*ب كتاب (بسّط *ياتك)
وقد قرأتُ بشغف وهزّني بأفكاره الرائعة وإقناعه الباهر وأسلوبه الم*بب للنفس *تى أنه يقتر*
دورات تدريبيّة لتبسيط ال*ياة وليت عندنا مادة تُدرّس بعنوان (ال*ياة البسيطة)
ولقد عدتُ إلى مكتبتي فوجدتُ أن أوراقاً كثيرة وملفات وخطابات شكر قديمة لا داعي لبقائه
ا فقد أصب*ت بلا قيمة وإنما تأخذ *يّزاً في المكان والذاكرة والنفس
ومثل ذلك قل: عن دولاب الملابس والمكتب والمجلس.
وأشرف وأكرم ولد آدم هو رسولنا صلى الله عليه وسلم كان بسيطاً في *ياته وبيته وكلامه
ولباسه *تى نهانا عن التكلف والتعمق والتشدّق وقال له ربه: (ونيسرك لليسرى)،
وقال هو: "يسروا ولا تعسروا"، "وإن الدين يسر".
ولهذا انظر كيف اكتشف أساطين الغرب ال*ياة البسيطة وكنتُ قبل فترة أتعالج في باريس وبينما
نتناول طعام الغداء في أ*د المطاعم وإذا بصا*بي المترجم المصري يشير إلى رجل جالس
قريباً منا على طاولة أخرى وإذا هو الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك يتناول الغداء مع صا*به بلا مرافقين ولا خدم ولا *شم ولا *راسة بل ببساطة وهدوء مع العلم أنه كان ي*كم
دولةً كبرى نووية تعطّل متى شاءت قرار مجلس الأمن وكانت ت*كم ثلث الكرة الأرضيّة.
بينما تجد عندنا من تعقيد ال*ياة والتكلّف في المعيشة وفي الطرق الاجتماعية ما يفوق الوصف
لأننا لم ندخل في ال*ضارة المادية الدنيويّة كما دخلوا، وال*ضارة ترقق الطباع وتهدئ النفوس
وتلطّف المشاعر ولهذا انظر لكثير من الفقراء عندنا إذا ملك أ*دهم مالاً فجأة بنى عمارة من خمسة طوابق وليس معه إلا امرأته العجوز لكن منها أنه يشخص بالعمارة ويغيظ ال*سّاد ويرضي
الأنساب ويد*ر العدو ويرفع رؤوس القبيلة إلى آخر تلك المعتقدات.
فيا إخوتي الكرام تعالوا ل*ياةٍ بسيطة سهلة ميسّرة فالعمر قصير والزمن يطوينا طياً والوقت
ليس بأيدينا والمال ليس معنا دائماً والظروف قد تكون ضدنا ون*ن في ر*لة استجمام في هذه
ال*ياة وقريباً سوف نغادر فقد *ُجزت المقاعد وأُعلن موعد الإقلاع واقترب الوعد ال*ق ويكفيك
ما تراه في آبائك وأجدادك من كثرة توديع الأ*ياء، فهيا نخفف على أنفسنا من التعقيد
والتشديد والتكلّف والتشخيص ويسروا ولا تعسروا والله معكم
|